2007-04-04 15:56:45

رسالة البطريرك ميشيل صباح لعيد القيامة المجيدة 2007


أيها الأبناء والإخوة الأعزاء

كل عام وأنتم بخير. المسيح قام حقا قام.

 

هذا عيد يدعونا إلى التأمّل في المجد الذي انحدر من السماء وغمر الأرض وجدَّد فيها الحياة. قال السيد المسيح: "أنا القيامة. كلّ من يؤمن بي لن يموت أبدا" (يوحنا 11: 25). الأعياد هي زمن يجدِّد الإنسانُ فيه قبولَه للحياة وفرحَه بها، وذلك بمثوله أمام ربِّه يتذكَّر نعمَه عليه. في عيد الفصح أو عيد القيامة المجيدة نتذكَّر يسوع قائمًا من بين الأموات، وقد قهر الموت والخطيئة، وأنّه مات من أجل خطايانا. يقول الكتاب المقدس، على لسان النبي أشعيا: "طُعِنَ بسببِ معاصِينا وسُحِقَ بسببِ آثامِنا. ونزَلَ به العقابُ من أجلِ سلامِنا" (أشعيا 53: 5). مات من أجلنا ومن أجل سلامِنا. ومات ثم قام. ومنحنا نحن أيضا، ومنح كلّ إنسان المقدرة على أن يقوم من الموت الكامِنِ في ذاته أي الخطيئة.

هي حياة جديدة وقوّة جديدة منحنا إيّاها السيد المسيح بقيامته المجيدة، لنقوى على الخطيئة فينا، ومن ثم نقوى على الخطيئة في مجتمعنا. يقول القديس بولس : "إن كنتم في المسيح فأنتم خَلقٌ جديد" ( قورنتس 5: 17). فنحن نحمل لمجتمعنا وفي كل علاقاتنا معه، قوّة جديدة للحياة وللمحبّة. قوّة تعلِّمنا في الوقت نفسه أن نغفر وأن نقيم العدل. والمحبّة ترى في وجه كل إنسان وجهَ الله سبحانه وتعالى. ومن ثم إذا أحبَبْنا الإنسان أحبَبْنا الله سبحانه خالقَ الإنسان، وتعلَّمْنا منه أن نغفر كما يغفر هو لكلّ واحد منا، وإذذاك يُمِدُّنا هو بالقوة لنقيم العدل في تعاملنا بعضِنا مع بعض. وبالمحبّة ندخل في عمق سرّ العناية الإلهية في تعاملها مع الخليقة كلها، ونصبح قادرين على أن نسهم، مع الله، سيّد التاريخ، في صنع تاريخ أرضنا فنحوِّلُها من أرض موت وخطيئة إلى أرض للحياة الجديدة.

قال السيد المسيح: "أنا القيامة والحياة، كل من يؤمن بي لن يموت أبدا" (يوحنا 11: 25). هذا كلام يقوله لنا إيمانُنا، ونحن نواجه في قلب الأرض المقدسة واقعَ موتٍ مستمرّ، نواجه الموت تحت أشكال مختلفة، الكراهية، والخوف، والخلل في العلاقات بين الناس وبين الحكّام. أرضنا أرض القيامة وأرض الموت في الوقت نفسه. ولكنَّ دعوتها ورسالتها الأساسيّة هي أن تكون أرض المحبة والحياة، أرض الحياة الوافرة لكلّ من يسكنها، من كل الديانات، على أن يكون كلّ مؤمن في كلّ الديانات على السواء قابلا بنتائج إيمانه بالله: وهي أننا جميعا خليقة الله وصنع يديه. ومن ثم الإيمان بالله يعني قبول جميع خلق الله، فالكل يقبل الكل، والكل يحترم الكل، ولا يعتدي أحد على أحد، ولا أحد يستقوي، ولا يُستضعَف أحد، ولا احتلال ولا أسوار ولا حواجز عسكرية ولا خوف ولا عنف.

في هذا العام نذكر أربعين عاما على الخللِ الكبير في أرضنا المقدسة، والمنعكسِ على المنطقة كلها وعلى العالم. هل يستطيع حكَّامُنا وهل تستطيع الأسرةُ الدولية أن تضع أخيرًا حدًّا لهذا الخلل؟ الأمر في حد ذاته بسيط: شعبان يقتتلان وأحدُهما مقيم في بيت الآخر. فالحلُّ هو بكل بساطة في أن يقيم كل واحد في بيته، الإسرائيليون في بيتهم والفلسطينيون في بيتهم. ولكنَّ الخوف يعقِّد الأمور فيصوِّر الفلسطينيين إرهابيين أو ضعافًا غير قادرين على ضمان الأمن في المنطقة. ثم إنّ ظواهر عديدة نجمت عن الخلل الذي هو الاحتلال وانتشرت في المنطقة وفي العالم، ومن ثم ولَّدت خوفا كبيرا عقَّد الوضع البسيط في حد ذاته. ومع هذا كله، فإنّنا نرى أنّه ما زال احتلالُ الواحد لبيت الآخر قائما سيبقى الخلل قائما. وما زال الخلل في الأرض المقدسة قائما سوف تعاني من ذلك المنطقة والعالم كلّه. ومن ثم لا بدَّ من المجازفة في سبيل السلام، كل واحد في بيته، للبدء بعملية الشفاء هنا وفي كل مكان.

أرضنا أرض القيامة وأرض الموت في الوقت نفسه. ولكنَّ دعوتها ورسالتها الأساسية هي أن تكون أرض المحبة والحياة، أرض الحياة الوافرة لكل من يسكنها، على أي دين وعلى أية قومية كانوا. نسأل الله أن يمنحنا ذلك، وأن يمنح الجميع بنعمة هذا العيد الحياة الوافرة والمطمئنة والمباركة.








All the contents on this site are copyrighted ©.