2006-11-30 18:14:45

كلمة الاب الأقدس البابا بندكتس السادس عشر في ختام الليتورجية الالهية البيزنطية


النص الكامل
 
تعود بنا هذه الليتورجية الالهية، التي نحتفل بها بمناسبة عيد القديس أندراوس، شفيع كنيسة القسطنطينية، الى الكنيسة الأولى، في أيام الرسل. ويتكلم إنجيلا مرقس ومتى عن دعوة يسوع للأخوين، سمعان – الذي أطلق عليه يسوع اسم يافا أو بطرس، وأندراوس: "اتبعاني، سأجعل منكما صيادي بشر" (متى 4.19 ؛ مرقس 1.17). أما الإنجيل الرابع فيقدم لنا أندراوس كالمدعو الأول، " ho protoklitos"، كما هو معروف في التقليد البيزنطي. وأندراوس هو الذي أحضر أخاه سمعان الى يسوع (أنظر يوحنا 1.40).
 
اليوم، وفي كنيسة مار جورجيوس البطريركية، نختبر مرة أخرى اتحاد ودعوة الأخوين، سمعان بطرس وأندراوس، في لقاء بين خليفة بطرس وأخاه في الخدمة الأسقفية، رئيس هذه الكنيسة، التي أسسها، حسب التقليد، القديس أندراوس. لقاؤنا الأخوي هذا يسلط الضوء على العلاقة المميزة التي تربط كنائس روما وكنائس القسطنطسنية كأخوات.  وبسعادة نابعة من القلب نشكر الله الذي يعطي دفعاً جديداً لهذه العلاقة التي تطورت منذ لقاء اورشليم التاريخي، في ديسمبر 1964، بين سلفينا، البابا بولس السادس والبطريرك أثناغوراس. إن تبادلهما الرسائل، المنشورة في كتاب بعنوان "توموس أغابيس"، يشهد على عمق العلاقات التي بنياها بينهما، علاقات تنعكس في علاقة الأخوة بين كنائس روما والقسطنطينية. في 7 ديسمبر 1965، عشية اختتام المجمع الفاتيكاني الثاني، قام سلفانا الموقران بخطوة فريدة وسرمدية في كنيسة مار جورجيوس البطريركي كما في بازيليك مار بطرس في الفاتيكان: ألغا من الذاكرة قرار أحرام عام 1054، مؤكدين بذلك على التغيير الجذري في علاقاتنا. ومذاك الحين، أُخذت خطوات كثيرة أخرى في مسيرة التقارب المتبادل. وأذكر بنوع خاص زيارة سلفي البابا يوحنا بولس الثاني الى القسطنطينية عام 1979، وزيارات البطريرك المسكوني برثلماوس الأول الى روما.
 
وبذلك الروح، فإن وجودي هنا اليوم يهدف الى تجديد العمل المشترك للمضي قدماً لتحقيق – وبنعمة الله – الوحدة الكاملة بين كنيسة روما وكنيسة القسطنطينية. أؤكد لكم بأن الكنيسة الكاثوليكية مستعدة أن تبذل قصار جهدها لتخطي العقبات وللبحث، مع إخوتنا وأخواتنا الأورثوذكس، عن وسائل أكثر فعالية للتعاون الراعوي لبلوغ الهدف.  كان الأخوان سمعان، المسمى بطرس، وأندراوس صيادي سمك دعاهما يسوع ليكونا صيادي بشر. والرب القائم من الموت، أرسلهما، قبل صعوده الى السماء، مع الرسل الآخرين ليتلمذوا جميع الأمم، ويعمدوهم وينشروا تعاليمه (أنظر متى 28.19؛ لوقا 24.47؛ أعمال 1.8). لا تزال الطريق طويلة أمام هذه المهمة التي تركها لنا القديسان الأخوان بطرس وأندراوس، وهذه المهمة هي اليوم ضرورية وغاية في الأهمية. وهي، في الواقع، لا تتعلق فقط بالثقافات التي وصلت اليها الرسالة بطريقة مهمشة، بل أيضاً الثقافات الأوروبية المتجذرة في التقليد المسيحي. وجاءت ظاهرة العولمة لتضعف هذا التقليد، وعلى هذه الظاهرة علامة استفهام، لا بل هي مرفوضة.
وأمام هذا الواقع، نحن مدعوون، مع كل الجماعات المسيحية الأخرى، الى تجديد الوعي بجذور، وتقاليد، وقيم أوروبا المسيحية، معطين إياها دفعاً جديداً.
 
وليست جهودنا لبناء علاقات متينة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الاوثوذكسية إلا جزءاً من هذه المهمة الرسولية. فالانقسامات القائمة بين المسيحيين هي بمثابة فضيحة أمام العالم وعقبة في وجه البشارة بالإنجيل. فعشية آلامه وموته، بينما كان محاطاً بتلاميذه، صلى الرب يسوع ليكونوا واحداً ليؤمن العالم (أنظر يوحنا 17.21). فقط من خلال الاتحاد الأخوي بين المسيحيين، ومن خلال المحبة المتبادلة تستعيد رسالة محبة الله لكل رجل وكل امرأة مصداقيتها. ومن يلقي نظرة واقعية على العالم المسيحي اليوم، يعي ضرورة هذه الشهادة. دعي سمعان بطرس وأندراوس معاً ليكوناً صيادي بشر. ولكن هذا المجهود نفسه اتخذ طرقاً مختلفة بالنسبة لكل من الأخوين. سمعان، رغم ضغفه، لقّب بـ"بطرس"، "الصخرة" التي عليها بنيت الكنيسة؛ اليه سلم الرب مفاتيح ملكوت السموات (أنظر متى 16.18). قادته مسيرته من اورشليم الى انطاكيا، ومن انطاكيا الى روما، حيث اتخذ مسؤولية كونية. إن موضوع الخدمة الجامعة لدى بطرس وخلفائه، كان، بكل أسف، مصدر الاختلاف في آرائنا، والذي نتمنى أن نتخطاه مع الحوار اللاهوتي الذي تم مؤخراً إحياؤه من جديد.
 إن سلفي الموقر، خادم الله يوحنا بولس الثاني، تكلم عن الرحمة الذي ميزت خدمة بطرس للوحدة، رحمة، أول من اختبرها كان بطرس نفسه (Ut unum sint, 91). وانطلاقاً من هذا المبدأ، دعا البابا يوحنا بولس الثاني الى الحوار الأخوي، بهدف البحث عن طرق نجسد من خلالها اليوم الخدمة البطرسية، محترمين الطبيعة والجوهر، "لنحقق خدمة في المحبة تحسن في عيني الجهتين" (Ut unum sint,95). وهذه هي رغبتي اليوم في تجديد هذه الدعوة.  أنداوس، شقيق سمعان بطرس، تلقى مهمة أخرى من الرب. مهمة تنبثق من اسمه أيضاً. وبما أنه كان يتكلم اليونانية، أصبح مع فيليبس، رسول اللقاء مع اليونانيين الذي قدموا لرؤية يسوع. (أنظر يوحنا 12.20). يخبرنا التقليد بأنه بشر ليس فقط في آسيا الصغرى وجنوب البحر الأسود، أي في هذه المنطقة، وإنما أيضاً في اليونان، حيث استشهد.
 
ويمثل الرسول أندراوس اللقاء بين المسيحية الأولى والثقافة اليونانية. هذا اللقاء، وبنوع خاص في آسيا الصغرى، تحقق مع الآباء الكابادوكيين، الذين أغنوا الليتوجية، اللاهوت والروحانية في الكنائس الشرقية كما في الكنائس الغربية.
الرسالة المسيحية، كحبة الحنطة (انظر يوحنا 12.24)، وقعت على أرض أعطت ثمراً كثيراً. ومن واجبنا أن نكون شاكرين من صميم القلب لهذا الميراث الذي وصلنا من اللقاء المثمر بين الرسالة المسيحية والثقافة الإغريقية. فقد ترك لنا الآباء اليونانيون كنزاً ثميناً لا تزال الكنيسة تستقي منه الغنى القديم والجديد.
 ومثل حبة الحنطة التي تموت لتحمل الثمر، يتردد صداه في حياة القديس أندراوس. يخبرنا التقليد بأنه تبع مصير سيده ومعلمه، لافظاً أنفاسه الأخيرة في باتراس في اليونان. وعلى غرار بطرس، استشهد أندراوس على الصليب، صليب مائل، نكرمه اليوم كصليب القديس أندراوس. نتعلم من مثاله بأن مسيرة كل مسيحي، كمسيرة الكنيسة جمعاء، تحمل الى الحياة الجديدة، الى الحياة الأبدية، من خلال الاقتداء بالمسيح وخبرة الصليب.
 وعلى مر العصور، اختبرت كل من كنائس روما والقسطنطينية مثل حبة الحنطة. ونحن نكرم سوية الشهداء نفسهم الذين– حسب كلمات ترتليانوس – أصبح دمهم زرعاً لمسيحيين جدد (Apologeticum 50,13). ومعهم نتقاسم الأمل ذاته الذي يحث الكنيسة على متابعة "مسيرتها وسط اضطهادات العالم وتعزيات الله" (نور الأمم 8، و أغسطينوس،De Civitate Dei, XVIII, 51,2). ولم تنقص شهادات الايمان الشجاعة في العصر الماضي، في الشرق كما في الغرب. والعالم مليء اليوم بهؤلاء الشهداء. نذكرهم في صلاتنا، ونحث بإصرار كل قادة العالم على احترام الحرية الدينية كحق انساني أساسي.
 احتفل بالليتورجية الالهية التي اشتركنا بها بحسب طقس القديس يوحنا فم الذهب. كان صليب وقيامة يسوع المسيح حاضرين معنا سرياً، وبالنسبة لنا نحن المسيحيين، إنه مصدر وعلامة أمل دائم التجدد. ونجد تعبيراً رائعاً عن هذا الأمل في النص المعروف بآلام القديس أندراوس: "أحييك أيها الصليب، الذي تباركت بجسد المسيح وازدنت بأعضائه كحجارة ثمينة... ليعرف المؤمنون فرحك، والعطايا التي فيك حفظت..."
 
ونحن ككاثوليك وأورثوذكس نتقاسم هذا الايمان بموت يسوع المخلص علىالصليب، وهذا الأمل الذي قدمه المسيح القائم من الموت للعائلة البشرية جمعاء. ولتكن صلواتنا ونشاطاتنا اليومية منبثقة من الرغبة المضطرمة ليس بالحضور في الليتورجة الالهية، وانما في الاحتفال بها سوية، لنتشارك وليمة الرب الواحدة، متقاسمين الخبز نفسه والكأس نفسها. وليكن لقاؤنا هذا مدعاة للاستعداد لعطية الاتحاد الكامل. وليرافقنا روح الله في مسيرتنا هذه!

 
ترجمة وكالة زينيت العالمية (zenit.org)
حقوق الطبع 2006- مكتبة النشر الفاتيكانية 







All the contents on this site are copyrighted ©.