2006-08-14 14:23:12

نافذتنا اليومية على أهم الأحداث العالمية الاثنين 14 أغسطس 2006


يوم تاريخي يستحق الاحتفال على الرغم من مواصلة إسرائيل عدوانها على لبنان حتى الساعات الأخيرة

سيدخل اليوم الاثنين التاريخ على أنه يسجل أول قبول إسرائيلي لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي من موقع المهزوم لا من موقع المنتصر. والأهم من ذلك الالتزام بتنفيذه على الأرض. فقد قبلت إسرائيل بقرارات سابقة ولكنها لم تنفذها لأنها كانت في موقع المنتصر المدعوم بوهم القوة والعالم الغربي والولايات المتحدة على وجه الخصوص. أيام وتواريخ عديدة يتذكرها العرب بحزن وغضب لأنها حملت نكسات وأرخت لهزائم مثل وعد بلفور ونكبة فلسطين وهزيمة حزيران. لكن اليوم سيكون يوما مختلفا يستحق الاحتفال وإظهار كل مظاهر الفرح والابتهاج لأنه يوم انتصار المقاومة اللبنانية وهزيمة مشروع إسرائيلي أمريكي كان سيؤدي لو نجح إلى إزالة آخر قلعة مقاومة في المنطقة العربية.

قرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التطبيق اليوم جاء إنقاذا لإسرائيل ومؤسستها العسكرية وما تبقى من هيبة جيشها ولو كان غير ذلك أي لمصلحة لبنان واستقراره لكان مصيره مثل كل القرارات الأخرى التي يزيد عددها عن 65 قرارا على الأقل. الشعب اللبناني الذي أظهر كل أنواع المسؤولية والانضباط في لحظات العدوان العصيبة والتف حول مقاومته وأكد للمرة الألف وطنيته المتميزة سيعيد بناء ما تدمر وسيخرج من وسط الركام قويا متحديا خلافا للشعب الإسرائيلي الذي أيد بغالبيته الساحقة الهجوم على لبنان ولم يحقق له جيشه أيا من النتائج التي كان يصبو إليها.

إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي وعد مستوطنيه بالقضاء على حزب الله وشل قدراته العسكرية والسياسية ومنع إطلاق الصواريخ بشكل نهائي والإفراج عن الجنديين الإسرائيليين الأسيرين وإقامة منطقة آمنة خالية من المقاومة وصواريخها تمتد حتى نهر الليطاني واغتيال السيد حسن نصر الله. لكنه لم يف بأي من هذه الوعود. فحزب الله خرج من هذه الحرب منتصرا وأكثر قوة وباتت شعبيته ليست محصورة في لبنان بل امتدت إلى مختلف أنحاء العالم العربي وأثبت قدرة عسكرية فائقة في الوصول إلى أهدافه ومفاجأة عدوه. والأكثر من هذا وذاك ألحق بإسرائيل خسائر فادحة لم تسببها الحروب العربية الرسمية مجتمعة. صحيح أن القوات الإسرائيلية وبعد قصف مكثف وإنزال بري غير مسبوق استطاعت أن تحتل بعض الجيوب والثغرات في جنوب لبنان ولكن بقاءها فيها سيكون مشكلة وانسحابها منها سيكون مشكلة أكبر. فالبقاء في هذه الجيوب يصب في مصلحة حزب الله واحتفاظه بسلاحه واستمراره كحركة مقاومة لتحرير هذه الأراضي المحتلة.

إسرائيل ستشهد حالما تتوقف غارات طائراتها الحربية على لبنان وعملياتها التدميرية للبنى التحتية زلزالا داخليا وستواجه أياما عصيبة حيث ستبدأ عملية المحاسبة للسياسيين وللعسكريين على حد سواء بعد أن أقدموا على هذه المغامرة دون أن يحسبوا عواقبها ودون أن يملكوا المعلومات الاستخبارية الصحيحة عن قدرة الخصم العسكرية والسياسية وردود الفعل اللبنانية المحلية أولا والعربية الشعبية ثانيا. فهذا الخطأ الكبير في التقييم ألحق ضررا بالغا بحلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة وبريطانيا مثلما أوقع أنظمة عربية رسمية أيدت العدوان ووفرت له الغطاء الشرعي في حرج كبير أمام شعوبها عندما اعتقدت أن إسرائيل ستخرج منتصرة وفي زمن قياسي من هذه الحرب مثلما فعلت في كل حروبها السابقة.

إيهود أولمرت وحزبه كاديما ربما يكون أول ضحايا الزلزال الذي ضرب الدولة العبرية هذه وكذلك قادة المؤسسة العسكرية. فالرأي العام الإسرائيلي الذي كان ينام مطمئنا إلى قدرة جيشه وتفوقه ويضع ثقته بعمليته السياسية الديمقراطية وإفرازاتها لقادة أقوياء بات في حال من الارتباك والخوف على مستقبله. الأثر النفسي لهذه الهزيمة الإسرائيلية ربما يكون هو الأعمق والأكثر خطورة بالنسبة لآباء المشروع الإسرائيلي والداعمين له في فلسطين والخارج. ولن يكون مستغربا أو مفاجئا إذا ما شاهدنا انعكاس ذلك في هجرة إسرائيلية معاكسة. فالعامل الأساسي الذي قامت عليه الدولة العبرية وهو توفير الأمن لليهود من خلال جيش قوي قد تعرض لهزة كبيرة بعد العدوان على لبنان وتداعياته سبقتها هزة ولكن بدرجة أقل تمثلت في نجاح المقاومة الفلسطينية في تطوير صواريخ وإن كانت بدائية تصل إلى العمق الإسرائيلي وتعطي ثمارها النفسية.

العالم اليوم بات يدرك أن إسرائيل تشكل عبئا أمنيا وأخلاقيا كبيرا على كتفيه من الصعب تحمله لأنها بممارساتها العدوانية وإرهاب الدولة على وجه الخصوص أصبحت المشجع والداعم الأكبر للتطرف الذي أضحى يترجم إلى إرهاب يهدد الأمن والاستقرار العالميين. ولهذا ربما يؤدي العدوان الإسرائيلي على لبنان والنتيجة التي انتهى إليها أي كسر هيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى تهيئة الميدان لإعادة إحياء عملية السلام ولكن على أسس جديدة أكثر عدالة وأكثر ترجمة للوقائع الجديدة على الأرض. لكن الخبرة علمت العالم العربي أن إسرائيل مع حليفها الأمريكي قد تنتقم إذ قد لا يكون من السهل عليها تقبل هذه الهزيمة ما قد يحملها على الانتقام من لبنان وشعبه بطريقة أخرى أي محاولة إحياء ثقافة الميليشيات وإشعال فتيل الحرب الأهلية.

مع ذلك توقع بعض المراقبين هدنة هشة قد لا تدوم طويلا خاصة بعد إعلان قائد القوات البرية الإسرائيلي أن وقف إطلاق النار لا يعني وقف الجيش عملياته العسكرية في جنوب لبنان. وليس من قبيل الصدفة أن أعلنت مصادر عسكرية في تل أبيب أن الجيش الإسرائيلي سيبقي على حصاره الجوي والبحري الذي يفرضه على لبنان حتى وضع آلية للحيلولة دون تهريب السلاح إلى حزب الله اللبناني. قرار مجلس الأمن الدولي 1701 نص على وقف الأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب الله ودعا الأطراف المعنية إلى اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لمنع بيع أو تزويد الأسلحة لأي كيان وفرد في لبنان في إشارة واضحة إلى حزب الله.

من جهته طالب رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الاثنين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بفك الحصار الجوي والبري الإسرائيلي عن لبنان بعد وقف العمليات الحربية. وأوضحت مصادر رسمية في بيروت أن السنيورة استدعى سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وأبلغهم ضرورة فتح الموانىء الجوية والبحرية كما ورد في القرار 1701 كذلك لفت الانتباه إلى انعكاسات استمرار الحصار السلبية على وصول المساعدات الإنسانية والأوضاع التموينية.

بالمقابل تنفست أسواق البورصة في لبنان الصعداء فارتفعت بنسبة 5% بعد ركود طويل الأمد في ما اقترحت جامعة الدول العربية عقد اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الأيام القليلة القادمة لوضع خطة لمساعدة لبنان على النهوض من جديد وإعادة تعميره. أمين عام الجامعة اقترح موعدا لهذا الاجتماع يوم الجمعة القادم في القاهرة.  

 








All the contents on this site are copyrighted ©.