2006-05-29 12:03:30

معتقل أوشفيتز ـ بيركيناو آخر محطة من زيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر الرسولية إلى بولندا "تيقّظوا واثبتوا في الإيمان، كونوا رجالاً، كونوا أشدَّاء، ولتكنْ أمورُكم كلُّها بمحبّة"


أنهى قداسة البابا بندكتس السادس عشر زيارته الرسولية أمس الأحد لبولندا بزيارة معسكر أوشفيتز ـ بيركيناو، رمز المحرقة النازية، حيث تمّ قتل أكثر من مليون يهودي أوروبي وزهاء 150 ألف بولندي و23 ألف غجري و15 ألف سجين حرب سوفييتي، إضافة إلى عشرات آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة. ومن بين شهداء أوشفيتز الكاهن البولندي القديس ماسيميلانو ماريا كولبي والراهبة الكرملية من أصل يهودي إيديت شتاين.

وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها:"يصعب الكلام في مكان الرعب هذا، حيث ارتُكبت جرائم غير مسبوقة بحق الله والإنسان. يصعب الكلام لمسيحيٍ ولـِ بابا من ألمانيا... يصعب الكلام في هذا المكان، ويخيّم صمتٌ ليس إلاّ صرخة داخلية موجَّهة لله: "لِمَ بقيت صامتًا يا رب؟"... وبصمتٍ ننحني أمام كثيرين، تألّموا وقُتلوا، في هذا المكان، فيتحوّل الصمتُ إلى طلب الغفران والمصالحة، إلى صرخة لله الحي، كيلا تتكرّر بعد اليوم أعمال مماثلة.

وتذكّر الحبر الأعظم في كلمته ما قاله يوحنا بولس الثاني لـ 27 عامًا خلا، وتحديدًا في 7 من حزيران يونيو من العام 1979 حين زار معسكر أوشفيتز ـ بيركيناو:"جئتُ اليوم حاجًا، وكم مرّةً وجدتُ نفسي هنا... كم مرّة نزلتُ إلى الزنزانة حيث مات ماسيميليانو كولبي، وتوقّفتُ أمام حائط الموت". قصد يوحنا بولس الثاني هذا المكان كابنٍ لذاك الشعب الذي، وإلى جانب الشعب اليهودي، تألم كثيرًا في هذا المكان:"6 ملايين بولندي ماتوا خلال الحرب العالمية الثانية، أي خمس سكان الأمة". وفي هذا المكان أيضًا، طالب يوحنا بولس الثاني باحترام حقوق الإنسان والأمم.

كان يوحنا بولس الثاني في هذا المكان، ابنًا للشعب البولندي، قال بندكتس السادس عشر، وأنا اليوم كابن للشعب الألماني، ولهذا السبب لا أستطيع إلاّ ترداد كلماته قائلا:"كان عليّ أن آتي إلى هنا". هو واجب أمام الحقيقة، وأمام الله أن أكون اليوم هنا خليفة ليوحنا بولس الثاني وابنًا للشعب الألماني ـ ابن ذاك الشعب الذي وصلت مجموعة من المجرمين منه إلى الحكم، من خلال وعود كاذبة، واستخدمت الشعب ـ بقوة الرعب والترهيب ـ أداة لهوسها بالسيطرة والتدمير.

وتابع البابا كلمته قائلا: كم من الأسئلة تُطرح في هذا المكان! ودومًا، نجدُ السؤال نفسه:أين كنتَ يا ربّ في تلك الأيام؟ لِمَ بقيتَ صامتًا؟ وفجأة نتذكّر كلمات المزمور الـ 44:" ومع ذلك ففي مقرِّ بناتِ آوى حطَّمتنا وبالظلمات لففتنا... إنّنا من أجلكَ نُماتُ طوال النهار ونُعدُّ غنمًا للذبح... قُم أيها السيد، لماذا تنامُ؟ إستيقظ ولا تنبِذ على الدوام. لماذا تحجب وجهكَ وتنسى بؤسنا وضيقنا؟ فإنّ نفوسنا بالترابِ تمرَّغت وبطونُنا بالأرضِ لَصِقت. فقُمْ لنصرتنا ومن أجل رحمتكِ افتدِنا". وصراخ إسرائيل هذا هو في الآن معًا صرخةُ مساعدةٍ يطلقها كلُّ الذين، وعلى مرِّ التاريخ ـ أمس، اليومَ وغدًا ـ يتألّمون حبًا بالله، حبًا بالحقيقة والخير. نرفع الصلاة لله، أضاف البابا يقول، كيما تتنصر حكمة المحبة وقوّة المصالحة والسلام على تهديدات حكمة كاذبة بعيدة عن الله.

وتابع بندكتس السادس عشر كلمته قائلاً إنّ المكان الذي نحن فيه اليوم، هو مكان "الشوا" المحرقة، وأشار إلى أنّ جميع النصب التذكارية المكتوبة بلغات عدة، تتحدّث عن الألم البشري وتهكُّم ذاك النظام الذي كان يعاملَ الناس كأدوات لا غير. وهناك أيضًا نصب تذكاري باللغة العبرية. فحكام الرايش الثالث كانوا يريديون القضاء على الشعب اليهودي برمته، وإلغائه من سجّل شعوب الأرض. ووراء هذه النصب التذكارية، أضاف البابا يقول، يوجد مصير أعداد كبيرة من البشر... لا يريدون زرع الكراهية في نفوسنا، بل الإشارة إلى فظاعة الحقد ونبذ الشر... يريدون إيقاظ شجاعة الخير في  نفوسنا.

وختم بندكتس السادس عشر كلمته قائلا:"اجتازت البشرية في أوشفيتز ـ بيركيناو "وادي الظلمات"، ولهذا أُريد أن أنهي كلمتي بصلاة المزمور الـ 23:

الرب راعيَّ فما من شيءٍ يُعوزني، في مراعٍ نضيرةٍ يُريحني.

مياه الراحة يوردُني ويُنعشُ نفسي

وإلى سبلِ البرِّ يَهديني إكرامًا لإسمه

إنِّي ولو سرتُ في وادي الظلماتِ لا أخافُ سوءًا لأنَّكَ معي.

عصاكَ وعكازكَ يُسكِّنانِ روعي... وسُكنايَ في بيتِ الربِّ طوالَ أيامي.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.