2006-05-25 15:19:07

تحت شعار :"أثبتوا في الإيمان" البابا بندكتس السادس عشر يزور بولندا مسقط رأس يوحنا بولس الثاني (25 ـ 28 أيار مايو 2006)


تحت شعار:"أثبتوا في الإيمان"، بدأ صباح اليوم الخميس قداسة البابا بندكتس السادس عشر زيارته الرسولية إلى بولندا، ليسير على الخطوات التي طبعت حياة كارول فويتيوا. وصل الأب الأقدس مطار أوكينشي الدولي في وارصو في تمام الساعة الحادية عشرة، وكان في استقباله ممثلو السلطات الرسمية والمدنية والكنسيّة إلى جانب حشد كبير من المؤمنين.وألقى قداسة البابا كلمة قال فيها: "إنّي سعيد بوجودي اليوم بينكم على أراضي الجمهورية البولندية. لقد رغبت دومًا بإجراء هذه الزيارة إلى موطن سلفي الحبيب، خادم الله يوحنا بولس الثاني. لقد جئتُ لإتباع الخطوات التي طبعت مسيرة حياته، منذ طفولته وحتى كونكلاف عام 1978. وفي هذه المسيرة أيضًا، أودُ التعرّف بشكل أفضل على أجيال المؤمنين الذين قدّموه لخدمة الله والكنيسة، واؤلئك الذين وُلدوا للرب تحت إرشاده الراعوي، ككاهن وأسقف وحبر أعظم. إنّ مسيرتنا المشتركة ستكون تحت شعار:"أثبتوا في الإيمان".

أذكّرُ بهذا الشعار منذ البداية، قال الحبر الأعظم، للتأكيد على أنّ الزيارة ليست رحلة عاطفية ببساطة، إنّما مسيرةَ إيمانٍ مطبوعةً في الرسالة التي أوكلها الرب إليّ في شخص بطرس الرسول، الذي دُعي ليُثبّت الإخوة في الإيمان. وأنا أيضًا، أودُ الإنتهال من ينبوع إيمانكم الذي يتدفّق بلا انقطاع، منذ أكثر من ألف عام". وبعدها حيّا الأب الأقدس رئيس جمهورية بولندا والكرادلة والأساقفة ورئيس الحكومة والوزراء وممثلي مجلسي النواب والشيوخ، إضافة إلى أعضاء السلك الديبلوماسي والسفير البابوي. وعبّر قداسة البابا عن سروره بحضور رئيس بلدية وارصو وممثلي الكنيسة الأورثوذكسية والكنيسة الإنجيلية وسائر الكنائس والجماعات الكنسيّة، وحيا أيضًا الجماعتين اليهودية والمسلمة.  ومن ثمّ وجه الأب الأقدس تحية حارة إلى كنيسة بولندا: كهنة، مكرّسين، إكليريكيين ومؤمنين، سيما المرضى والشبان والأطفال وطلب إليهم أن يرافقوه بالصلاة.

وتابع قداسة البابا كلمته قائلا: إنّ مسيرة زيارتي لبولندا مطبوعة بآثار حياة كارول فويتيوا وخدمته الراعوية. ولهذا اخترتُ التوقف في مدينتين عزيزتين على قلب يوحنا بولس الثاني: وارصو وكراكوفيا. في وارصو سألتقي الكهنة والجماعات الكنسيّة غير الكاثوليكية والسلطات الحكومية. وآمل بأن تحمل هذه اللقاءات ثمارًا وافرة لإيماننا المشترك بالمسيح وللأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يعيش فيها رجال ونساء اليوم. وتحدّث الحبر الأعظم أيضًا في كلمته عن زيارته تشيستوهوفا ولقائه بممثلي الرهبان والراهبات والطلاب الإكليريكيين وأعضاء الحركات الكنسيّة، وأكد أنّ النظرة الحنونة لمريم العذراء سترافقنا في بحثنا المشترك عن رباط عميق بالمسيح ابنِها.

وأخيرًا، سأزورُ كراكوفيا، قال قداسته، لأنطلق من هناك إلى فادوفيتس وكالفاريا وفافل. أعرفُ تمامًا أنّ هذه الأمكنة أحبّها يوحنا بولس الثاني لأنها مرتبطة بولادته في الإيمان وبخدمته الراعوية. وسألتقي المرضى أيضًا في معبد الرحمة الإلهية في أويفينيكي، ومن ثمّ الشباب في أمسية صلاة.  ويوم الأحد المقبل، أضاف البابا يقول، سنلتقي في بلوني لنحتفل بالقداس الإلهي ونشكر الرب على حبرية سلفي الحبيب، وعلى إيمانه الذي ثبّتنا دومًا بالكلمة والحياة. ومن ثمّ سأزور أوشفيتز، حيث سألتقي الناجين من الرعب النازي، القادمين من دول مختلفة، والذين عانوا مأساة القمع. سنصلي معًا كيما تُشفى جراح القرن الماضي بعلاج الغفران المتبادَل.

وفي ختام كلمته، ذكّر البابا مجددًا بشعار زيارته "أثبتوا في الإيمان" وقال: أرغبُ بأن تؤدي هذه الأيام إلى تقوية إيمان الجميع. إنّ القيم الأبدية، قيم الأخوة والسخاء والرجاء تشكل أساسًا متينًا لعالم أفضل، يجد فيه كل واحد، الازدهارَ المادي والسعادةَ الروحية. هذا وشكر البابا بندكتس السادس عشر رئيس جمهورية بولندا والأساقفة على دعوتهم لزيارة بلادهم، وطلب إلى جميع البولنديين أن يرافقوه بالصلاة.

 

ومن المطار توجّه الأب الأقدس إلى كاتدرائية وارصو للقاء الكهنة ووجّه لهم خطابًا استهل كلماته الأولى من رسالة القديس بولس إلى أهل روما (روما1، 8 ـ 12):"أبدأ بحمد إلهي يسوع المسيح إليكم أجمعين... فإنّي مَشوقٌ إلى رؤيتكم لأُمدَّكم ببعض الهبات الروحانية تأييدًا لكم، بل لينشرحَ صدري وإيّاكم، وأنا عندكم، بالإيمان المشترك بيني وبينكم".

ومن ثمّ حيّا قداسة البابا الكردينال جوزيف غليمب رئيس أساقفة وراصو ورئيس مجلس أساقفة بولندا، وهنّأه باحتفاله اليوم بالذكرى السنوية الـ 50 لسيامته الكهنوتية. قال البابا نجتمع اليوم في كاتدرائية وارصو التي يذكّر كل حجر فيها بالتاريخ الأليم الذي شهدته عاصمة بلادكم. نتذكّر شهود الإيمان الأبطال الذين بذلوا حياتهم لله والبشر، ونتذكّر القديسين والأناس العاديين الذين ثبتوا في الإستقامة والصلاح، ولم يستسلموا يومًا للإحباط والإرتياب.

وفي هذه الكاتدرائية بالذات، تابع الأب الأقدس كلمته يقول: أتذكّر خادم الله الكردينال ستيفين فيشينسكي الذي عرف أن يخدم الكنيسة بأمانة وسط المحن الأليمة والطويلة. ونتذكّر بامتنان جميع الذين لم تخنقهم قوى الظلام. ومن مثلهم نتعلّم  شجاعة الإنتماء لإنجيل المسيح. ألتقي اليوم الكهنة الذين دعاهم المسيح لخدمته في الألف الجديد، وعظمة كهنوت المسيح قد تلهم بالخوف، فنقول مع بطرس:"سيدي تباعد عنّي، إنّي رجلٌ خاطئ"، (لوقا 5،8)، ذلك أنّه يصعب علينا الإيمان سريعًا بأنّ المسيح قد دعانا نحن بالذات.

وأضاف قداسة البابا يقول: ينتظر المؤمنون من الكهنة أن يكونوا أخصائيين  في تعزيز لقاء الإنسان بالله.  ولا يُطلب من الكاهن تابع البابا يقول، أن يكون خبيرًا بالاقتصاد أو السياسة، بل يُنتظر منه أن يكون خبيرًا في الحياة الروحية. وأمام تجارب النسبية، لا يُنتظر من الكاهن معرفة جميع المسائل الآنية والتيارات الفكرية، لأنّ المؤمنين ينتظرون منه أن يكون شاهد الحكمة الأبدية الموجودة في الكلمة الموحاة. وأشار الأب الأقدس إلى أنّ المسيح يحتاج لكهنة ناضجين وقادرين على زرع أبوةٍ روحية حقيقية. ولكي يتمّ ذلك، لا بدّ من أن نكون نزيهين ومؤمنين بالرحمة الإلهية.

وأضاف الحبر الأعظم يقول في كلمته إلى الكهنة في كاتدرائية وارصو: إنّ البابا يوحنا بولس الثاني، وخلال اليوبيل الكبير، حثّ المسيحيين على التوبة. نؤمن بأن الكنيسة مقدّسة، ولكن يوجد فيها أناس خطأة، ومن أجل خلاصهم تجسّد يسوع ومات وقام. وأشار قداسة البابا إلى أنّ الكنيسة في بولندا تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ راعوي كبير وهو الإهتمام بالمؤمنين الذين يغادرون بلادهم. فآفة البطالة تُرغم أشخاصًا عديدين على الرحيل، وهي ظاهرة آخذة بالإنتشار. فعندما تُقسم العائلات وتتفكك الروابط الاجتماعية، لا تستطيع الكنيسة أن تكون لامبالية.

والكنيسة في بولندا، قال قداسة البابا، قدّمت العديد من الكهنة والرهبان الذين يقومون برسالتهم ليس لصالح البولنديين خارج حدود البلاد، ولكن أيضًا، في أوضاع أصعب، في الإرساليات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وباقي المناطق. ودعا البابا كهنة بولندا إلى عدم نسيان هؤلاء المرسلين وقال لهم: لا تخافوا من تقديم الخدمة في الأماكن المحتاجة إلى وجود الكهنة، وحيث سخاؤكم قادر على حمل ثمار غنية.

وذكّر الحبر الأعظم الكهنة في ختام كلمته بشعار زيارته الرسولية"أثبتوا في الإيمان" وقال:كونوا صادقين في حياتكم وخدمتكم.عيشوا حياة بسيطة وكونوا متضامنين مع المؤمنين الموكلين إلى رعايتكم. إخدموا الجميع ورافقوا الحركات الكنسية وساعدوا العائلات والشبان وتذكّروا الفقراء والمهمشين. هذا ومنح قداسته الجميع بركته الرسولية.

 

يمكن اعتبار زيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر الرسولية إلى بولندا، من الخامس والعشرين وحتى الثامن والعشرين من الجاري، أوّل زيارة يقوم بها للخارج، ذلك أنّ زيارته في آب أغسطس من العام الماضي إلى كولونيا بألمانيا، لمناسبة اليوم العالمي للشباب، كانت واردة أصلاً في برنامج البابا يوحنا بولس الثاني. فمنذ بداية حبريته، رغب البابا بندكتس السادس عشر بإتمام زيارة إلى أرض سلفه، كارول فويتوا. وشعار هذه الزيارة الرسولية مأخوذ من رسالة القديس بطرس الأولى إلى أهل قورنتس:"أُثبتوا في الإيمان".

يزور البابا دولة فتحت أبوابها للمسيح وأصغت إلى رسالته الخلاصية، منذ أكثر من ألف سنة، ما طبع بعمق هوية الشعب البولندي وتاريخه. تاريخ إيمان وقداسة، وتاريخ شكوك وعدم أمانة. لسبع وعشرين عامًا خلا، علّمنا يوحنا بولس الثاني كيفية نوال عطية الإنتماء للمسيح. واليوم، جاء البابا بندكتس السادس عشر ليواصل عمل سلفه. وبهذه الطريقة، يُتمُ نائب المسيح مهمّته الأساسية التي أعطاها يسوع لبطرس:" ولكني دعوتُ لكَ ألاَّ تفقد إيمانك، وأنتَ ثبّت إخوانك متى اهتديت".

وستعرف الزيارة الرسولية ذروتها في وارصو، حيث سيحتفل قداسة البابا غدًا الجمعة بالقداس الإلهي في ساحة جوزيف بيوسودسكي، أول مكان زاره يوحنا بولس الثاني في زيارته الأولى لمسقط رأسه، وذلك في الثاني من شهر حزيران يونيو من عام 1979. كما احتفل البابا فويتيوا في هذه الساحة بالذات، بالقداس الإلهي في عام 1999. وشهدت الساحة أيضًا بعد وفاة يوحنا بولس الثاني قداديس عديدة، شارك فيها مئات آلاف الأشخاص.

أمّا المحطة التالية فستكون في معبد عذراء يازنا غورا في تشيستوهوفا. ومن ثمّ سيزور قداسة البابا كراكوفيا التي عاش فيها كارول فويتيوا أربعين عامًا من حياته: طالبًا، عاملاً، كاهنًا، أسقفًا وكردينالاً إلى حين انتخابه حبرًا أعظم.

 

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.