2005-04-18 16:17:37

لمحة تاريخية عن الكونكلاف: نشأته وتطوره عبر العصور


كانت لفظة "كونكلاف" تُستعمل للدلالة على مكان خاص في المنزل "مغلق بمفتاح".  وتُستعمل في لغة الكنيسة للدلالة على مكان مغلق حيث يتم انتخاب البابا، وعلى جماعة الكرادلة التي تنتخب الحبر الأعظم.  وبهذا المعنى، كما يبدو، تم استعمالها ولأول مرة، من قبل البابا أونوريوس الثالث عام 1216.  وبالفعل فإن أصل الكونكلاف يعود تاريخياً، وعلى صعيد الممارسة، إلى الأحداث التي رافقت وميّزت انتخاب البابا أونوريوس الثالث.

       في عام 1179 أصدر البابا أليسّاندرو الثالث دستوراً حفظ فيه نهائياً إلى الكرادلة الحقّ في انتخاب البابا، فيما كان يعالج أحداثاً كانت قد حصلت سابقاً، وأبرز فوراً ناحية أخرى خطيرة: المدة الطويلة بين شغور الكرسي الرسولي وانتخاب الحبر الأعظم الجديد. 

بعد وفاة البابا المذكور كان عدد أعضاء مجمع الكرادلة يتراوح ـ ولمدة طويلة ـ بين عشرة كرادلة وعشرين كاردينالا.  ولم يتخطى عددهم طوال القرن الثالث عشر الثلاثين كاردينالاً، فيما كانت فترات شغور الكرسي الرسولي تدوم أشهراً كثيرة وأحياناً سنوات.

       الشعب المسيحي المحروم من حق المشاركة في انتخاب الحبر الأعظم كان الأول ـ على الصعيد العملي ـ الذي أدرك الضرر الذي كانت الكنيسة تتعرّض له.  وأجبر هذا الشعب الكرادلة ولمرات عدة أن يتم وبسرعة الانتخاب وسط حصن مجبِر.

       في عام 1216 أجبر سكان بيروجا الكرادلة على البقاء داخل القصر حيث كانوا مجتمعين ليعجّلوا بالانتخاب.  وهكذا صنع سكان روما بعد وفاة البابا غريغوريوس التاسع عام 1241.  وهكذا صنع أيضاً سكان أنانيي عام 1243 لوضع حدّ لمدة شغور الكرسي الرسولي الطويلة، شغور بدأ مع وفاة البابا شيلستينو الرابع.  والحدث الأخير والأشهر من الحصن المجبر (أو الإقامة الجبرية) للكرادلة، وكان عدد مجمعهم ثمانية عشر كاردينالاً، في القصر البابوي في فيتيربو، لانتخاب خليفة للبابا الراحل.  ولم يفلحوا في إيجاد اتّفاق، ولم يُجد نفعاً أيضاً اهتمام ملك فرنسا وشخصيات عالمية أخرى، حينا حاصر سكان فيتيربو القصر بتشجيع من القديس بونافنتورا، رئيس عام الرهبنة الفرنسيسكانية، وسجنوا الكرادلة في القصر حيث كانوا مجتمعين وسدّوا بالطين الأبواب، ليتوصّلوا إلى نهاية بأسرع وقت ممكن. 

وعلى الرغم من ذلك تردّد الكرادلة في التوصل إلى اتّفاق، حينها أزال سكان فيتيربو سقف القصر، لفقدانهم الصبر حيال هذا التأجيل والتردّد.  وأصبحوا يقدّمون للكرادلة فقط خبزاً وماء.  أمام هذه المضايقة الشديدة توصّل الكرادلة المجتمعون إلى حلّ وسط وانتخبوا البابا غريغوريوس العاشر، وكان شغور الكرسي الرسولي قد دام سنتين وتسعة أشهر ويومين.

       ومن أجل تحاشي شغور الكرسي الرسولي الطويل، أصدر البابا غريغوريوس العاشر في مجمع مدينة ليون الثاني في عام 1274 دستوراً مطلعه "أين الخطر"، وأنشأ فيه رسمياً الكونكلاف مبرماً هكذا عمل ونشاط الشعب المسيحي. 

أوامر هذا الدستور كانت شديدة ودقيقة.  بعد عشرة أيام من وفاة البابا يجب أن يجتمع الكرادلة في قصر الوفاة أو في مدينة أخرى قريبة وفقاً للظروف، وأن يكون هذا الاجتماع في قاعة واحدة لا حواجز فيها، وأن يعيشوا معاً من دون أن يغادروها أو أن يقيموا اتّصالات مع الخارج، وأن لا يتحدّثوا بين بعضهم البعض بشكل سري وخفي.  كما نصّ البابا في دستوره "أين الخطر" أن تُحفظ المفاتيح الداخلية مع الكاردينال الكاميرلنغ والمفاتيح الخارجية مع المسؤول عن الكونكلاف، وأن يبلغ الطعام من خلال شباك ودولاب محروسين جداً.  وأن يكون الطعام مراقباً بشدة لئلا يخفي رسائل أياً كان نوعها ومصدرها. 

وسطّر هذا الدستور أنه إذا لم يتوصل الكرادلة بعد ثلاثة أيام إلى انتخاب البابا الجديد، فيُعطى لهم لمدة الأيام الخمسة التالية طبق طعام واحد ظهراً وآخر مساءً، وإذا مرّت هذه الأيام الخمسة، ينبغي أن يُعطى الكرادلة فقط خبزاً وخمراً وماء.

       قوانين غريغوريوس العاشر وجدت صعاباً جمة في تحقيقها.  لذلك وبعد مرور سنتين من توقيعها أعاد البابوان أدريانوس الخامس ويوحنا الحادي والعشرون النظر في صياغتها وعادت لتظهر أيضاً ومن جديد مدة شغور الكرسي الرسولي الطويلة والمتكرّرة.

       البابا شيليستينو الخامس، وفي الأشهر الخمسة من حبريته أقرّ قوانين جديدة للكونكلاف وثبّتها خليفته بونيفاسيوس الثامن الذي تمّ انتخابه في يوم واحد.  ومن ذلك التاريخ لا تزال تُحترم قوانين الكونكلاف على الرغم من بعض تعديلات خاصّة فرضها التبدّل الحاصل في الظروف والاختبارات.

       كثيرون البابوات الذين أعادوا النظر في قوانين انتخاب الحبر الأعظم معدّلين فيها ومدخلين عليها تدابير دقيقة وواضحة أكثر فأكثر.  بيوس الرابع عام 1562 نظّم بدقة عمليات الاقتراع، فيما اهتم بابوات آخرون بتحديد سلطة الكرادلة والجمعيات خلال شغور الكرسي الرسولي والطرق المتعلّقة بإجراء الانتخاب.

       البابا بيوس العاشر القديس اعتنق في دستوره "شغور الكرسي الرسولي" في الخامس والعشرين من كانون الأول ديسمبر عام 1904، وفي وثيقة واحدة، جميع تدابير الأحبار الأعظمين السابقين وسطّر خاصة وضع حدّ نهائي لأي تدخّل من أية سلطة مدنية في الكونكلاف.  وفي عام 1975 نظّم البابا بولس السادس من جديد الكونكلاف وانتخاب البابا في دستوره "في انتخاب الحبر الروماني"، وظّل هذا الدستور معمولاً به حتى عام 1996، تاريخ الدستور الجديد الذي وضعه يوحنا بولس الثاني في دستوره "راعي القطيع العام".








All the contents on this site are copyrighted ©.