2005-04-10 10:08:16

في بداية حبريّتكَ شرّعت أبواب الكنيسة وفي نهايتها دخلها الجميع


   "شرّعوا الأبواب ليسوع المسيح، لا تخافوا". بهذه الكلمات بدأ يوحنَّا بولس الثاني حبريّته لستٍ وعشرين سنة خلت. سار في بحر هذا العالم وتناقضاته لم تَزِلّ قدماه، وعيناه لم ترهباَ إنساناً. حنى رأسه لربّه وانحنى على كلّ ضعيف ومسكين، نصر المظلومين أينما وُجدوا، ولأي ديانة انتموا أو لون. حيث الظلم علا صوته موبِّخاً ومُذكّراً بعدالة الله، وحيث الخوف، مرَّ صدى تشجيعه يُشدّد العزائم ويُعزّي القلوب. فتح أبواب الكنيسة وذراعَيها للجميع، لم ينتظرهم ليأتوا إليه، بل بادرهم مبادرة الراعي الذي يبحث عن خرافه فبلغت زياراته الراعويّة الدولية المائة والأربعة، وداست قدماه تراب مائة وتسعة وعشرين بلداً لغاية اليوم. حيثما حلّ كان الضيف المميّز وحيثما سار نثر بذار الإنجيل إن لم يكن بالكلام فبالشهادة.

   طوال ستّة وعشرين عاماً واجه بحقٍّ ودافع بجرأة عن الكنيسة وأبنائها وسط موجة الاضطهادات المُبطّنة مِمَّن يلبسون بإتقان ثياب الحملان وهم ذئابٌ خاطفة غايتهم تبديد قطيع المسيح وتفريقه. فلوحدة الكنائس عمل بلاد كللٍ. وأعطى الكثير كذلك في مجال الحوار بين الأديان، ويا ليت الآخرين أعطوا قدر ما أعطى لبلوغ الوحدة والتفاهم والسلام والعدالة الاجتماعيَّة.

   أعطى يوحنّا بولس الثّاني من ذاته ولكنّه لم يتنازل قيد أنملة عن تعاليم الكنيسة المُستقيمة، ففي مجال الأخلاق رفض النسبيَّة بشدَّة لأنَّ حقيقة المسيح واحدة لا تتجزأ وتُفصَّل حسب مفاهيم الشعوب وثقافاتها، رفض الإجهاض، والتحرُّر الجنسي، ووسائل منع الحمل على اختلاف أنواعها، رفض الموت الرّحيم، والاستنساخ البشري وغيرها وغيرها من محاولات تدمير الإنسان وقَطْعِ حوار العقل مع الإيمان. رفض كثيراً يقول البعض، ولهم تقول سنو حبريّته الست والعشرون: رفض من أجل الحياة وليس من أجل الموت، رفض ليُدافع عن العائلة وعن الإنسان، كلِّ الإنسان وكلِّ إنسان. رفض ليُدافع عن وحدة الكنيسة وتعاليمها، ليُدافع عن حقائق الإيمان الراسخة بيسوع المسيح، كان حليماً مع من شَرَدَ من أبناء الكنيسة، وحازماً مع من شكَّكَ بالفعل والقول ، فتح ذراعَيه لكلِّ تائب وعائدٍ إلى حضن الكنيسة الأم تحاور مع من انفصل علَّ كلمات المعلِّم الإلهي تتحقَّق: "ليكونوا واحداً... فيؤمن العالم أنَّكَ أرسلتني".

 رفض يوحنّا بولس الثّاني الحروب المُستبدّة، وكم حذَّرَ من أن العنفَ يولِّدُ العنف. دافع عن المظلومين، دافع عن المسيحيِّين في كلِّ الأرض، كان الأب الغيور على مصالحهم وحقوقهم حيثما أحاطهم الخطر والتهديد بالزوال، من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، إلى الصين والهند وإندونيسيا وتيمور الشرقيَّة. من لبنان، فلسطين، مصر والسودان.

   لم ينصر المسيحي الظالم على غير المسيحي، فدافع عن مُسلمي الكوسوفو، والأرض المُقدَّسة، وشعبَي أفغانستان والعراق، من استبداد السلاح وسطوته في حروب الاقتصاد... ندَّد بالإرهاب الأصولي ورفض القنابل البشريَّة الموقوتة لأنَّ حياة الإنسان أثمن من كلِّ شيءٍ، وثقافة الحياة أقوى من ثقافة الموت.

   زار المغرب عام 1985 حيث التقى شبيبتها المُسلمة وحمل إليها رسالة الانفتاح والحوار والتآخي والتفاهم بين المسيحيّة والإسلام حول الدفاع عن القيم الأساسيَّة للإنسان، كالحريّة، والحق بالحياة وحماية القيم الأدبيَّة الشاملة...

   زار السودان عام 1993 يدفعه القلق على مُستقبل المسيحيّين في هذا البلد الممزَّق بحروب التفرقة منذ عشرات السنين.

   زار تونس عام 1996، ليؤكِّد ودَّ الكنيسة وقربها من أرباب الحوار والانفتاح على الآخر...

   زار لبنان عام 1997 وبيده الإرشاد الرّسولي "رجاءٌ جديد للبنان"، ليُعلِنَ للعالم أن لبنان هو أكثر من بلد، إنَّه رسالة محبَّة وتعايش وتلاقي بين مختلف الثقافات والأديان...

   زار مصر في العام الألفَين ليسير على خطى موسى في طريقه إلى أرض الميعاد...

   زار الأرض المُقدّسة وفلسطين والأردن، في العام الألفَين وبيده رسالة لليهود والمُسلمين بأنّ الحوار وحده هو طريق التفاهم لتخطي مأزق العنف والموت وبلوغ سلام عادلٍ وشامل. ومدينة السلام، أورشليم مدينة مفتوحة لكلِّ أبناء الأرض لأنّها انعكاس لأورشليم السماويَّة.

   زار سوريا في عام 2001 للسير على خُطى بولس الرّسول ولقاء أبنائه المسيحيّين في تلك الأرض التي تعدُّ مهد المسيحيَّة في الشّرق...

   شرّعتَ أبوب الكنيسة في بداية حبريّتك فدخلها جميع الناس في نهايتها وتحقّقت أعجوبة المسيح فيك، فجمعت كلّ الديانات والأعراق والألسن حول نعشك المتواضع، يا من علّمتنا بمثالك أنّ التواضع هو مفتاح القلوب. عوضّنا المسيح بأمثالك وعوّض الكنيسة برجال عظام يُكملون مسيرتكَ.








All the contents on this site are copyrighted ©.