2005-04-02 17:26:20

"فادي الإنسان" أوَّل رسالة عامَّة للبابا يوحنا بولس الثاني في مستهلِّ خدمته الحبريَّة


"فادي الإنسان" هي أوَّل رسالة عامَّة يوجِّهها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في مستهلِّ خدمته الحبريَّة، وتحمل تاريخ الرَّابع من شهر آذار مارس من عام 1979. كتب الأب الأقدس يقول:"لقد وجَّهنا عواطفنا وأفكارنا نحو المسيح الفادي، في اليوم السادس عشر من شهر تشرين الأوَّل أكتوبر، عندما سُئلنا، بعد أنْ تمَّ الإنتخاب القانوني: هل تقبل؟ فأجبنا إذ ذاك:"بطاعة الإيمان نحو المسيح ربِّي وبما لي من ثقة بأمِّ المسيح والكنيسة، وبرغم الصعوبات الجمَّة، إنِّي أقبل المهمَّة."

لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون محبَّة ويبقى لغزًا لا يُفهم في عين نفسه، ولا معنى لحياته، إن لم تتوفَّر له المحبَّة، إن لم يجدها، يختبرها بنفسه ويشارك فيها مشاركة حميمة. ولهذا السبب، أظهر المسيح الفادي تمامًا، الإنسان للإنسان عينه، وهذا هو البعد البشري لسرِّ الفداء وهذه هي ميزته. وفي هذا البعد، يكتشف الإنسان مجدَّدًا وشيئًا فشيئًا ما للإنسانيَّة من عظمة وكرامة وقدر خاص.

فمهمَّة الكنيسة الأساسيَّة في كلِّ عصر وفي هذا العصر هي أنْ تُوجِّهَ عقل الإنسان وتُهدي البشر أجمعين وخبرتهم نحو سرِّ المسيح وتساعدَ جميع الناس ليشاركوا في حياتهم اليوميَّة في سرِّ الفداء الذي تمَّ في يسوع المسيح وتنفذ في الوقت عينه إلى عمق الإنسان:أعني قلوب البشر وضمائرهم ومشاكلهم.

ويذهب يسوع المسيح إلى لقاء الإنسان في كلِّ عصر، وعلى الأخصّ في عصرنا، بهذه العبارة عينها:"تعرفون الحقّ والحقّ يحرِّركم" وتنطوي على واجب وتحذير: واجب الإخلاص للحقيقة كشرط للحريَّة الحقّ وتحذير للإعراض عن كلِّ حريَّة مزيَّفة سطحيَّة ولا تنفذ إلى صميم الحقيقة حول الإنسان والعالم. واليوم كذلك وبعد مرور ألفي سنة، يبدو لنا أنَّ المسيح هو من يحمل إلى الإنسان الحريَّة القائمة على الحقيقة، وهو من يحرِّر الإنسان من كلِّ ما يقيِّد هذه الحريَّة وينتقص منها انتقاصًا يكان يستأصلها من نفس الإنسان وقلبه وضميره.

وطريق الكنيسة الأساسي هو يسوع المسيح، وهو طريقنا إلى الآب والطريق إلى أيِّ إنسان. ولمَّا كان الإنسان إذن هو طريق الكنيسة وطريق حياتها وخبرتها اليوميَّة، طريق عملها، فمن الواجب أن تتجدَّد كنيسة عصرنا دائمًا وتقف على الحالة التي يعيش فيها الإنسان، وكذلك يجب على الكنيسة أن تتنبَّه لما يهدِّد الإنسان من أخطار وأنْ تعرف أيضًا كلّ ما يمنع "حياة الإنسان" من أنْ تُصبح يومًا فيومًا أكثر إنسانيَّة، بحيث تتفق ومقومات الحياة وكرامة الإنسان الحقّ.

إنَّ التقدَّم التقني والتقدّم الحضاري الإنساني في عصرنا الذي يتميَّز بسيطرة التقنية يتطلبان تقدمًا متوازيًا في حقل الأخلاق والحياة الأدبيَّة، ولكن هذا التقدّم يبدو دائمًا، ويا للأسف متخلِّفًا عن ذاك. تعتبر الكنيسة أنَّ من صميم رسالتها الإهتمام بالإنسان وبإنسانيَّته وبمستقبل الناس على الأرض وبما يتَّخذه التقدّم والتطور من اتجاهات وهذا مما يرتبط أوثق الإرتباط بهذه الرسالة، وهي تجد في يسوع المسيح مبدأ هذا الإهتمام على ما يشهد به الإنجيل.

ولا يمكن الإنسان أن يتخلَّى عن نفسه ولا عن مكانه الخاص به في هذا العالم المتطور، ولا يجوز له أن يكون عبدًا للأشياء، عبدًا للأنظمة الإقتصاديَّة، عبدًا للإنتاج والمنتجات. إنَّ هذه الحضارة التي تركِّز كلّ شيئ على المادَّة تفضي بالإنسان إلى هذا النوع من العبوديَّة، ولو حصل ذلك دون علم من يروِّجون لها أو  برغم إرادتهم.

في سرِّ الفداء، أي عمل الخلاص الذي أتمَّه المسيح، لا تشترك الكنيسة في إنجيل معلِّمها بأمانتها للكلمة وخدمة الحقيقة وحسب، بل تشترك أيضًا بطاعتها الملأى بالرجاء والمحبَّة في قوَّة الفداء التي أعرب عنها السيّد المسيح في كلِّ الأسرار ووضعها فيها على الأخصّ في سرِّ الإفخارستيَّا، ولهذا يُعتبر سرِّ الإفخارستيا محور الحياة النابعة من الأسرار وقمَّتها، ويتقبَّل كلّ مسيحي بواسطة هذه الحياة قوَّة الفداء الخلاصيَّة، بدءًا من سرِّ العماد الذي نكفّن فيه بالموت مع المسيح، لنشترك بقيامته.


 








All the contents on this site are copyrighted ©.