2004-12-18 16:53:05

إنجيل الأحد 19 كانون الأول ديسمبر 2004 وقفة تأمل حول كلمة الحياة


"أمّا ميلادُ يسوعَ المسيح، فهذا خبرُهُ:لمّا كانت مريمُ أمّهُ مخطوبةً ليوسف، وُجدتْ قبلَ أن يتساكنا حاملاً من الروح القدس. وكان يوسف زوجُها بارًّا، فلم يُردْ أن يشهَرَ أمرَها، فعزمَ على تركها سرًّا. وما فكَّر في ذلك حتّى تراءى له ملاكُ الربِّ في الحُلم وقال له:"يا يوسفَ ابنَ داود، لا تخَف أنْ تجيءَ بامرأتكَ مريم إلى بيتكَ. إنّ الذي تحملِهُ هو من الروحِ القدس، وستَلدُ ابنًا فسمِّهِ يسوع، لأنَّه هو الذي يُخلِّصُ شعبَهُ من خطاياهم." وإنَّما حدثَ هذا كلَّهُ ليتمَّ ما أوحى الربُّ إلى النبيِّ فقال:"إنَّ العذراءَ ستحمِلُ فتلدُ ابنًا يُدعى عمَّانوئيل "أيّ اللهُ معنا، فلمَّا قام يوسفُ من النَّوم، فعَلَ ما أمرَهُ به ملاكُ الربِّ فجاءَ بامرأتِهِ إلى بيته..." (متّى 1/18-24) RealAudioMP3

 

التأمّل

 

ووُجدت مريم حبلى... دون أن تساكنَ رجلاً. إنّهُ لحدثٌ خطير جدًّا حسب شريعة موسى القديمة: فالمرأة تستوجب أقصى العقاب بالرّجم العلني لأنّها لطّخت بالعار شرف بيتها الوالدي أوّلاً، من ثمّ مدينتها فالشعب المختار بكامله. في زمن يوسف ومريم تراجع منطق تطبيق الشريعة بحذافيرها وقسوتها فبات يُسمح بأن ينفصل الخطّيب عن خطّيبته سرًّا بحضور شاهدَين بدون شكوى أو محاكمة علنيّة، فيبقى عار المرأة مسجونًا داخل جدران منزلها الوالدي وتُنقذُ من الموت المحتّم.

يوسف اختار بألم عميق طريق تخلية مريم سرًّا، وخياره هو خيار العزلة التّامة، لأنّه لو بادرَ إلى إشهار أمرها لنال تأييد وتشجيع وتفهّم سائر رجال ونساء مدينته، ولكنّه سلكَ الطريق الذي يعزله عن الجماعة، إذ فكَّرَ بترك مريم وحيدة في بيتها ويبقى هو وحيدًا في بيته. وقرارهُ يعبِّرُ عن أسمى ما للمحبّة من حدود. فضَّلَ الإنعزالَ على جلبِ الأذيَّةِ لمريم، فضَّلَ الموت الإجتماعي فداءً لحياة مريم.

وفي حالة العزلة القاتلة هذه خلدت عينا يوسف إلى النوم، فتراءى ملاك الربّ له في الحلم ليُطمئنه بأنَّ المولود في حشا مريم هو من الروح القدس وهو ليس ابن انسان عاديّ من لحم ودم، إنَّما ابن الله الذي أتى ليُنقذ الشعب المختار والبشرية جمعاء من الخطيئة.

انكسرت عزلة يوسف وبات أمام خيار جوهريّ إمَّا أن يقبلَ مولود مريم ويحتضنه كأب أو يبقى في عزلته ويعزل البشريّة معه. فقبل يوسف متمًّا فعل محبّةٍ حيالنا جميعًا.

يُعلِّمنا إنجيل اليوم، أيّها الأخوة الأحبّاء، كيف أنَّ الله يمنحنا على الدوام حريّة الخيار. إنَّنا حقيقة أحرار الضمائر ونحن واقفين لوحدنا أمام وجه القدّوس. وكلّ خيار، وإن كان صغيرًا نتمُّه بضمير حيٍّ يبدّلُ كلّ شيء حولنا ويجدِّده. وحافز وقوفنا أمام خيارات جذرية في حايتنا هي كلمة الله والصلاة اللتين ترشداننا إلى إتمام عمل المحبّة تجاه كلّ فرد من الجماعة، حينها تموت العزلة والوحدة وتحيا المحبّة في القلوب.

 

 

 

 

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.