2004-11-06 16:18:02

رسالة رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان إلى المسلمين بمناسبة نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر


بمناسبة نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر وجّه رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان رئيس الأساقفة مايكل فيتزجيرالد رسالة إلى جميع المسلمين في العالم، تحت عنوان: "الأطفال هبة الله لمستقبل الإنسانية".  جاء في الرسالة ما يلي:

أيها الأصدقاء المسلمون الأعزّاء،

في غمرة استعدادكم للاحتفال بعيد الفطر في ختام شهر رمضان المبارك، أودّ أن أوجّه لكم، في هذا العام أيضاً، أطيب تمنيات المجلس البابوي للحوار بين الأديان، الدائرة الموكلة شؤون العلاقات مع أتباع الديانات الأخرى باسم الأب الأقدس.  كثيرون هم المسيحيون الذين رافقوكم بالفكر والصلاة طوال زمن الصوم، الذي يحتل مكانة هامة في حياة جماعاتكم.  إنّكم تعلّمون أبناءكم على الصوم، ما إن يسمح لهم سنّهم بذلك، لينمو حسّ الله فيهم ومعنى الطاعة الدينية، وفي الوقت عينه تنمو لديهم قوة الإرادة وترويض الذات.  وبهذا تصبح العائلات أول بيئة يتلقّى فيها أبناؤكم التربية الدينية.

أود أن ألفت الانتباه اليوم إلى الأطفال، بصورة عامة، وإلى ما يجب أن يلقوه من ترحاب لدى والديهم ووسط عائلاتهم وداخل المجتمع ككل.  فلكل طفل حقّ في الحياة لا يُمسّ، والحق في أن ينمو، حيثما أمكن، في كنف عائلة طبيعية ومستقرة.  وينبغي أن يتمتع كل طفل بالحقّ في المأكل واللباس والحماية.  للطفل أيضاً الحق في التربية، كيما تنمو لديه كلّ طاقاته، ويصبح قادراً على تنميتها بنفسه في وقت لاحق.  ويجب أن يعالَج كلّ طفل يقع ضحية مرض أو حادث ما.  إن حياة الطفل مقدّسة، كحياة كلِّ كائن بشري آخر.

إنكم تعتبرون الطفل بركة إلهية، يمنحها الله بصورة خاصة إلى الوالدين.  ونحن المسيحيون نشاطركم هذه الرؤية الدينية، غير أن إيماننا المسيحي يعلّمنا في الوقت عينه أن نكتشف لدى الطفل نموذجاً لعلاقتنا بالله.  لقد اتّخذ يسوع من بساطة الطفل، وثقته، ووداعته، وفرحه بالحياة، مثالاً يرشدنا به إلى ضرورة العيش في طاعة وتوكّل إزاء الله.

خلال السنوات الماضية وفي مناسبات عدة، قام ممثلون عن الكرسي الرسولي ودول حيث غالبية السكان مسلمة، بالدفاع سوياً عن القيم الإنسانية الأساسية في مختلف المحافل الدولية.  وكان الأمر يتعلّق في غالب الأحيان بالدفاع عن حقوق فئات المجتمع الأكثر ضعفاً، سيما العائلة: البيئة الطبيعية التي يُربّى فيها الأطفال، وتُحترم فيها حقوقهم.

إذا كان نمو احترام حقوق الإنسان في بعض أنحاء العالم وفي مجالات معيّنة، قد عاد بالفائدة على الأطفال، غير أن هؤلاء ما يزالون ضحية شرور كثيرة.  فالعديد من الأطفال يُجبرون اليوم على ممارسة أعمال شاقة، تقف عائقاً في وجه نموّهم الجسدي والنفسي، وتحول دون ترددهم إلى المدرسة للحصول على التربية، التي هي من حقّهم.  وهناك العديد من الأطفال الذين يُجبرون على القتال، ويجدون أنفسهم متورطين في حروب ونزاعات.  هذا وكان أطفال، خلال السنوات الماضية في مقدّمة ضحايا ازدياد الاعتداءات الجنسية والدعارة. 

فقد أصبح الطفل ضحية جديدة لبعض ما يعتري المجتمع من تحوّلات.  فالأطفال هم أول من يتألم نتيجة تفكّك العائلات.  وغالباً ما يأتي تنامي الاتّجار بالمخدرات وتعاطيها على حساب الأطفال، سيما في الدول الفقيرة.  كما أنّ الاتّجار البغيض بالأعضاء البشرية يمس الأطفال بوجه خاصّ.  أما مأساة داء الأيدز فغالباً ما تحوّلهم إلى كائنات صغيرة مصابة منذ الولادة.

أمام هذه الشرور التي يعاني منها أطفالنا، أيها الأصدقاء المسلمون الأعزّاء، يجب أن نوحّد جهودنا، مذكّرين بضرورة احترام كرامة كلّ كائن بشري الذي وُجد بمشيئة الله ذاته.  يجب أن نندّد بلا هوادة بكل ما يسيء إلى الأطفال، ونقاوم بكلّ ما أوتينا من عزم "بُنى الخطيئة" كما يسمّيها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.  وإننا نعي تماماً أن مستقبل الأطفال هو مستقبل البشرية كلّها.  آمل أن نواصل تعاوننا في خدمة الأطفال، وأن ينمو هذا التعاون فنقدّم بذلك دليلاً على ما للدين من وجهٍ خيّر لصالح الأسرة البشرية كلِّها.

أتمنى في شهر رمضان هذا، أن يُصبح أبناؤكم "أقوياء" في صنع أعمال الخير! وأن يتعلموا كيفية مقاومة السعادة الوهمية والملذّة العابرة، لينالوا الحرية الداخلية وينصاعوا لمشيئة الله، وليصبحوا أيضاً شهوداً لأهمية القيم الدينية.  وأؤكّد لكم مرة جديدة أنني أرفع الصلاة إلى الله الكلّي القدرة والرحيم من أجلكم ومن أجل أبنائكم بنوع خاص.  أسأل الله أن يُحلّ عليكم فيض بركاته، ويجعلَ عائلاتكم قويةً، سخيةً في خدمته، ويمنح كل واحد منكم سلامه.

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.